ايوب أزيكو ــ “كابريس”
في قلب مدينة تارودانت، وعلى بُعد خطوات من مقر العمالة والجماعة، توجد واحدة من أهم الفضاءات الخضراء بالمدينة: حديقة إبراهيم الروداني. هذه المعلمة التي كانت، إلى عهد قريب، تشكل متنفسًا طبيعياً وساحة للراحة والسكينة بالنسبة لساكنة المدينة، تحولت اليوم إلى فضاء يئن تحت وطأة الإهمال، في مشهد صادم يجسّد ما يمكن تسميته بـ”الإجهاز الهادئ” على الفضاءات العمومية ذات القيمة الرمزية.
الحديقة التي خُصصت لها اعتمادات مهمة في إطار مشاريع التهيئة المجالية، والتي شهدت في وقت سابق عمليات تأهيل شملت المساحات الخضراء، وتثبيت مقاعد وأعمدة إنارة ومسالك للمشاة، لم تصمد طويلاً أمام غياب الصيانة الدورية، وارتباك في تدبير المرفق، ما جعل ملامح الجمال والراحة تذبل شيئًا فشيئًا، ليحل محلها التآكل، والخراب التدريجي، وتراجع الشعور الجماعي بالانتماء لهذا الفضاء.

والمثير في هذا الواقع المؤلم، أن الحديقة لا تحمل اسمًا عاديًا، بل تخلّد اسم أحد كبار رجالات المقاومة الوطنية: الشهيد إبراهيم الروداني، ابن تارودانت الذي لعب دورًا طلائعيًا في مواجهة الاستعمار الفرنسي، وكان من مؤسسي الحركة السرية المقاومة، وفاعلًا في دعم النقابات، إلى أن اُغتيل في 5 يوليوز 1956 بعد الاستقلال.
فهل يُعقل أن تُقابل سيرة من هذا العيار الوطني، بمرفق عمومي يحمل اسمه وهو في حالة يرثى لها؟
هل تستحق حديقة إبراهيم الروداني، رمز ذاكرة المقاومة ومفخرة المدينة، أن تتحول إلى عنوان للإهمال بدل أن تكون نموذجًا في الحفاظ والعناية؟

ما يضاعف من غرابة المشهد أن الحديقة تقع في محيط مؤسسات القرار الترابي، الأمر الذي يُفترض أن يمنحها أولوية في المراقبة والتتبع، لا أن يجعلها شاهدة على تغافل مزمن. فالمسؤولية هنا لا تتوقف عند الجهة المكلفة بالصيانة، بل تمتد إلى مختلف الفاعلين المحليين الذين تقع على عاتقهم مسؤولية حماية الرصيد الرمزي للمدينة.
اليوم، وأمام ما تعيشه الحديقة من تدهور، يحق لساكنة تارودانت أن تتساءل: متى يستفيق الضمير الجماعي لإعادة الاعتبار لهذا الفضاء؟ وهل سيتحرك المعنيون قبل أن تنهار معالم الحديقة تمامًا، ومعها رمزٌ من رموز النضال الوطني؟

الجواب المنتظر ليس شعارات… بل تدخلٌ ميداني مستعجل يعيد للحديقة بريقها، ويعيد لاسم إبراهيم الروداني هيبته في فضاء يُفترض أن يكون شاهداً على الوفاء، لا عنوانًا للنسيان.

