إيران بعد وقف إطلاق النار: هدوء المرتبك لا نصر الواثق

kapress27 يونيو 2025آخر تحديث :
إيران بعد وقف إطلاق النار: هدوء المرتبك لا نصر الواثق

في هذه الافتتاحية التحليلية الحصرية، نحاول قراءة ارتدادات الحرب الإيرانية الإسرائيلية بعيدًا عن الشعارات، من خلال ما لم يُعلَن أكثر مما قيل.
من انكشاف الردع الإيراني، إلى الضربات الإسرائيلية الدقيقة التي استهدفت العقول لا المواقع، إلى صمت الحلفاء الذي فضح هشاشة المحور الإقليمي.
وفي مقابل هذا الارتباك، نقف على تماسك الموقف المغربي، الذي ظل وفيًّا لمبدأ السيادة والتوازن، ورافضًا الاصطفاف في زمن المحاور المتصدعة.
لأن الرؤية الهادئة، كما سنرى، قد تكون في كثير من الأحيان أقوى من خطابات الضجيج.

انهيار سردية “الردع الإقليمي”

بنت طهران صورة قوة إقليمية قادرة على الردع، عبر شبكة حلفاء وخطاب مقاومة حاد، لكنها وجدت نفسها في اللحظة الحاسمة أمام مفاجأة مُرّة: لم تتحرك الجبهات، ولم ترتعد الحدود، ولم يُفتح أكثر من مسار في الوقت ذاته. لم يكن هذا فقط نتيجة لحسابات عسكرية، بل لوعي استخباراتي عميق لدى إسرائيل، التي أدركت أن إضعاف هيبة إيران لا يتطلب معركة شاملة، بل فقط ضرب رأس العقل الإيراني.

استهداف العقول لا الصواريخ

بعيدًا عن لغة الإعلام، كانت أكثر الضربات الإسرائيلية تأثيرًا هي ضربات صامتة ضد العقول: اغتيالات مركزة استهدفت خبراء في التوجيه والدفاع الجوي، هجمات إلكترونية عطّلت دوائر حساسة، وتفجيرات غامضة في مواقع إنتاج الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة. حسب تقارير استخباراتية غربية، إسرائيل لم تستهدف كثافة الذخيرة بل جودة القرار. الرسالة كانت واضحة: الحرب لم تعد تُخاض فقط في الجبهات، بل في العقول والخوادم والمختبرات. وقد نجحت في زلزلة البنية العلمية والعسكرية للنظام الإيراني، دون حاجة إلى اجتياح بري أو تصعيد نووي.

تفكك المحور وصمت الحلفاء

“محور المقاومة”، كما تسميه طهران، بدا مفككًا في لحظة الحسم. حزب الله تموضع خلف الخطوط، الحوثيون راقبوا، والميليشيات العراقية انسحبت من العنوان. لم تكن تلك خيانات، بل حسابات دقيقة لكل فاعل، تُعبّر عن نهاية زمن الطاعة المطلقة. هكذا، وجدت إيران نفسها تخوض المعركة وحيدة، بلا ميدان خارجي مشتعل، ولا صوت إقليمي داعم. إنها ضربة لصميم استراتيجيتها التوسعية، لا بالحرب بل بالصمت.

الداخل الإيراني: الشعارات تتحول إلى أسئلة

في عمق الداخل، بدت الحرب الأخيرة أشبه بجرس إنذار. لم يخرج الشارع للاحتفال، ولم تُخلق موجة تعبئة جماهيرية كما في الماضي. بل على العكس، بدأت الصحف الإصلاحية تتحدث عن خمول مجتمعي، وغياب الثقة، وانطفاء الأمل. صحيفة “شرق” حذّرت من “الانغلاق الخطابي” الذي حوّل الاقتصاد الإيراني إلى اقتصاد معيشي لا تكنولوجي، محمّلة الحوكمة مسؤولية تعميق الهوة مع الشعب. وهذا وحده كافٍ لنفهم أن التهديد الأكبر لطهران لا يأتي من الخارج، بل من الداخل الذي أصبح صامتًا بحذر لا مبايعًا بحماسة.

الموقف المغربي: التوازن في زمن المحاور

في ظل هذه التحولات، برز الموقف المغربي كدرس في الحصافة السياسية. المملكة لم تسقط في الاصطفاف، ولم تساير نزعات التهييج، بل تمسّكت بثوابت واضحة: الانتصار للشرعية الدولية، الدفاع عن الاستقرار الإقليمي، والمراهنة على الحوار لا الاصطدام. هذه السياسة المغربية ليست انكماشًا، بل عقل استراتيجي يقرأ خرائط التوتر، ويعرف متى يتكلم ومتى يصمت. وفي زمن تتهاوى فيه كثير من العواصم في منطق المحاور، تثبت الرباط مرة أخرى أن التوازن قيمة استراتيجية، لا مجرد موقف محايد.

في الميزان الاستراتيجي: خسارة مؤجلة

لو أردنا تقييم الحرب الأخيرة بعين استراتيجية، سنجد أن إيران لم تربح سوى تأجيل لحظة الانكشاف. لم تُحرك الجبهات، ولم تفرض معادلة جديدة، ولم تستطع ترميم تآكل الخطاب. أما ما خسرته فهو الأهم: صورة الدولة الممسكة بخيوط المنطقة، وسردية الردع التي لم تصمد أمام ضربة استخباراتية محسوبة بدقة.

ما بعد وقف إطلاق النار ليس وقت انتشاء ولا ادعاء انتصار، بل لحظة مراجعة مؤلمة. وإيران، إن لم تُغيّر خطابها، وتُعيد ترتيب الداخل قبل الخارج، فإن الصراع المقبل لن يكون مع إسرائيل أو واشنطن، بل مع هشاشة ذاتها. أما المغرب، فهو يُثبت مجددًا أن الهدوء ليس ضعفًا، بل خيار الأقوياء حين تتكلم الجغرافيا بلغة العقل.

من إعداد: المصطفى العياش سكرتير تحرير جريدة “كابريس”
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة