بقلم المصطفى العياش – سكرتير تحرير جريدة كابريس
متتبع للشأن السياسي
مؤتمر المصباح.. بين غياب الزعامات وضبابية المستقبل
“في السياسة، الغيابات أحياناً أبلغ من الحضور… والمؤتمرات لا تصنع الزعامات، بل تكشف حقيقتها” .
وسط أجواء مشحونة بالتساؤلات والانتظارات، افتتح حزب العدالة والتنمية مؤتمره الوطني التاسع بالمركب الرياضي مولاي عبد الله بالرباط، في ظل غيابات لافتة طالت شخصيات بارزة من داخل الحزب وخارجه، مما أثار جدلاً واسعاً حول دلالات هذا الغياب ورسائله العميقة.غياب أخنوش.. التزامات الدولة أولاًرغم التلميحات التي حاولت بعض الأطراف ترويجها داخل ردهات المؤتمر، فإن غياب رئيس الحكومة ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، عن الجلسة الافتتاحية، لم يكن محكوماً باعتبارات سياسية ضيقة، بل فرضته التزامات رسمية. فقد كلفه القصر الملكي بتمثيل المملكة المغربية في مراسم تعزية رسمية بالفاتيكان، تزامنت مع انعقاد المؤتمر.
ورغم وضوح الأسباب، سعت بعض الأصوات إلى تسييس الغياب واستثماره إعلامياً، غير أن معطيات الواقع أكدت مرة أخرى أن مقتضيات الدولة تسمو على كل الاعتبارات الحزبية، وأن منطق المؤسسات يفرض نفسه بعيداً عن الحسابات الظرفية.
غياب العثماني والرميد.. نهاية مرحلة؟
الحدث الأبرز داخلياً لم يكن فقط في جدول الأعمال أو مضامين الخطابات، بل في غياب وجوه وازنة صنعت تاريخ الحزب، أبرزهم:سعد الدين العثماني، الأمين العام السابق ورئيس الحكومة الأسبق،مصطفى الرميد، وزير العدل الأسبق،إلى جانب عدد من البرلمانيين والمنتخبين المحليين المعروفين.هذا الغياب الجماعي يعكس تحولات عميقة يعيشها الحزب، وربما يشير إلى نهاية مرحلة بكاملها من تاريخ “المصباح”، مرحلة كانت فيها الشخصيات أكثر بروزاً من المؤسسات، والقرارات مشدودة أكثر إلى رمزية الأفراد منها إلى روح الجماعة.
“الأحزاب التي لا تتجدد تموت واقفة، أما التي تعيد اكتشاف ذاتها، فهي القادرة على صناعة المستقبل.”
مؤتمر الأسئلة المصيرية بعيداً عن الشعارات، تطرح هذه المحطة التنظيمية على العدالة والتنمية أسئلة عميقة: كيف يمكن إعادة بناء الشرعية الحزبية بعد الهزيمة الانتخابية؟ ما السبيل لاستعادة ثقة الناخبين والمجتمع؟ هل يملك الحزب الجرأة الكافية لمراجعة خطابه السياسي وأساليب عمله؟.
مؤتمر المركب الرياضي مولاي عبد الله كشف أن الحزب اليوم في مفترق طرق حقيقي: إما أن يعيد صياغة نفسه بما يتلاءم مع تحولات المشهد الوطني، أو يدخل مرحلة أفول بطيء قد يصعب تداركه لاحقاً.
مغرب يتقدم.. وأحزاب تبحث عن ذاتها بينما تتحرك الدولة المغربية تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس بخطى ثابتة نحو تنزيل أوراش كبرى، تبدو بعض الأحزاب وكأنها عالقة في نقاشات متقادمة لم تعد تلامس انتظارات المجتمع المغربي.
المشهد اليوم يفرض قطيعة مع ثقافة البكاء على الأطلال، ويفرض ولادة سياسية جديدة، قائمة على البناء المؤسساتي، وخلق نخب جديدة قادرة على مواكبة التحولات الوطنية والدولية.
في النهاية، حزب العدالة والتنمية، شأنه شأن باقي المكونات السياسية، أمام فرصة تاريخية: إما أن يكون جزءاً من المستقبل، أو مجرد تفصيل صغير في صفحات الماضي.
ا

كاتب سياسي بجريدة كابريس