في مؤازرة عبد الحميد جماهري… حين تتحول الثرثرة إلى تهديد صامت للاستقرار

kapress18 يونيو 2025آخر تحديث :
في مؤازرة عبد الحميد جماهري… حين تتحول الثرثرة إلى تهديد صامت للاستقرار

المصطفى العياش ــ هيئة تحرير “كابريس” تؤكد تضامنها مع الزميل عبد الحميد جماهري، دفاعًا عن شرف الكلمة، وكرامة النقد، وأخلاق السياسة.

في السياسة كما في الحياة، تمر علينا لحظات يتوجب فيها رفع الصوت لا بالصراخ، بل بضمير حي. ولعل ما تعرّض له الأستاذ عبد الحميد جماهري، يضعنا جميعًا أمام سؤال مقلق: إلى أين تُساق السياسة حين يختلط فيها الخلاف بالرغبة في التنكيل، ويصبح فيها الرد على الرأي تهمة تستدعي التخوين والتشويه؟

ما كتبه عبد الحميد جماهري لم يكن إلا تدوينة قصيرة، عابرة، عاقلة، لم تسِئ إلى أحد، بل عبّرت عن حس وطني مسؤول في الدفاع عن مؤسسات الدولة التي تشكّل ضامناً للاستقرار. لكن يبدو أن البعض أصبح يرى في كل رأي لا يسبّح بحمده تهديدًا له، وفي كل موقف مستقل “وشاية”، وفي كل كلمة مكتوبة خارج جوق التطبيل “استهدافاً ممنهجًا”.

عبد الإله بنكيران، رئيس حكومة سابق، وأمين عام حزب، اختار أن يرد على تلك التدوينة بطريقة صاخبة، متشنجة، خلقت جلبة أكبر من محتوى التدوينة نفسها. والنتيجة؟ محاولة تحوير النقاش من حماية المؤسسات إلى “حماية الزعيم”، من الدفاع عن الوطن إلى الدفاع عن الذات المجروحة من النقد، وكأننا أمام شخص يستعجل التبرير وهو لم يُتَّهَم بشيء أصلاً.

ليس دفاعنا عن عبد الحميد جماهري موقفًا انفعاليًا، ولا ردًا غريزيًا، بل هو تموقع واضح إلى جانب الفكرة حين تُستهدف، والمبدأ حين يُشوَّه. فالرجل معروف بكتاباته الوازنة، وبنَفَسٍ تحليلي هادئ، لم يكن في يوم من الأيام باحثًا عن ضوءٍ زائف، ولا باحثًا عن بطولة وهمية.

إن المثير في هذا الجدل، هو أن من يصرخ مطالبًا بالحريات، أول من ينزعها من خصومه. ومن يتغنى بالديمقراطية، يسقط في أول امتحان للنقد، فيتحول إلى خصمٍ شرسٍ ضدّ كل من يُذكّره بأنه ليس “فوق” الدولة، ولا فوق المؤسسات، ولا فوق المساءلة الرمزية.

ما قام به جماهري ليس “تبليغًا” ولا “وشاية”، كما أراد بنكيران أن يصوّره. لقد كتب ما يُفترض أن يكتبه كل مواطن غيور: الدفاع عن مؤسسات سيادية لا يمكن أن تكون موضع تشكيك أو تسفيه. والمؤسف هو أن الرد لم يكن ردًا عقلانيًا، بل مزيجًا من التحريض، والاتهام، والانفعال، والعبارات التي لا تليق بمن تولّى مسؤولية حكم البلاد ذات يوم.

ثم، هل نسي بنكيران أن عبد الحميد جماهري كتب عنه، وعن مسيرته، عشرات المقالات في عز قوته، فلماذا انتفض اليوم على تدوينة قصيرة؟ هل المسألة تتعلق بضعف في الحجة؟ أم بحنين إلى الأضواء ولو عبر بوابة الشتائم المجانية؟

السياسة أخلاق. والسياسي الحقيقي هو من يُربّي لسانه كما يُربّي فكره، ويقيس ردوده بميزان الحكمة لا باندفاعات الغضب. أما استعمال مفردات مثل “شكام” و”الحبس” و”التحريض”، فهي مفردات تنتمي إلى معجم لا علاقة له بما يجب أن تكون عليه السياسة في زمن المؤسسات والدستور.

الذين يعرفون جماهري، يدركون أن ما كتبه لم يكن سوى لحظة تأمل عميقة في معنى الدولة، وفي العلاقة بين الحاكم والمؤسسات. أما من أراد أن يصنع من نفسه ضحية لكل ما يُكتب ويُقال، فقد اختار أن يبني شرعيته على وهم المظلومية… وهو وهم لا يدوم طويلاً.

ختامًا، تضامننا مع جماهري هو تضامن مع الكلمة الحرة، ومع السياسة النظيفة، ومع النقد المسؤول. ولسنا بحاجة إلى رفع الصوت كثيرًا… فالحقيقة دائمًا تصل، حتى وإن أزعجت من اعتادوا أن يكونوا وحدهم في الميدان، لا يرد عليهم أحد، ولا ينتقدهم أحد.

فمن لا يتحمل الرأي الآخر… لا يستحق أن يحمل صفة السياسي.

المصطفى العياش /كابريس
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة