منير نافيع / كابريس
حين تتقاطع الجغرافيا مع السياسة وتتقلب المواقف تحت وطأة التحولات الإقليمية، برز مشهد لافت خلال قمة الرقابة المالية والمحاسبة المنعقدة بجوهانسبورغ يومي 24 و25 يونيو الجاري: خريطة المغرب الكاملة، من طنجة إلى الكويرة، وضعت دون تنقيح أو تحفظ. لم يكن ذلك تفصيلا بروتوكوليا عابرا، بل لحظة فارقة في مسار دبلوماسي مغربي يراكم الاعترافات الرمزية بقدر ما يرسخ الوقائع على الأرض.
الوفد المغربي، برئاسة زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، لم يكتف بالحضور الشكلي، بل جسد موقع المغرب داخل المنظومة الإفريقية بلغة الفعل المؤسساتي لا الخطاب الإنشائي. فقد ظهرت الخريطة الكاملة للمملكة في الوثائق الرسمية والعروض التقنية وأروقة القمة، كحقيقة بديهية لا تستدعي تبريرا، وكمعطى جغرافي تجاوز زمن التشكيك.
اللافت أن هذا الحضور الجغرافي غير القابل للتأويل تمّ داخل جنوب إفريقيا بالذات، البلد الذي شكل لسنوات واحدة من أبرز منصات الدعم السياسي لأطروحة الانفصال. لكن المشهد الجديد في جوهانسبورغ بدا مغايرا: السيادة المغربية حضرت دون ضجيج، والتحفظ القديم غاب من الواجهة. كان الصمت لافتا… صمت يحمل دلالات الإقرار، ويعكس تحولا بطيئا لكنه ثابت في مقاربة الملف داخل هذا البلد.
لا بلاغ رسمي صدر، ولا إعلان سياسي نشر، لكن الصورة كانت أبلغ من كل بيان. السيادة تمارس بالفعل وترسّخ بالحضور داخل المنظمات، لا بالمواجهات المباشرة. إنها دبلوماسية مغربية جديدة، تعمل بصمت وتراكم الشرعية من داخل منظومات الحكامة، حيث يقاس وزن الدول بفعالية مؤسساتها لا بعلو صوتها.
بهذا النهج المتزن، يعيد المغرب رسم خريطته الدبلوماسية داخل القارة، مرتكزًا على شرعية التاريخ، واستراتيجية الحضور، ودينامية المؤسسات. تحول لا يقاس بردود الأفعال، بل بما تثبته الصور والوثائق حين تنوب الجغرافيا عن التصريحات، وتتكلم الخريطة باسم الدولة.